مقدمة: عرف العالم في مطلع القرن العشرين حربا كبرى، اندلعت في أوربا واتسع مجالها لتصبح عالمية وتمثلت أسبابها في تعارض المصالح الاقتصادية والاستعمارية للدول الأوربية، والسباق نحو التسلح وظهور التحالفات العسكرية .وشكلت حادثة مقتل ولي عهد النمسا سببا مباشرا لاندلاع الحرب في 1914. وامتدت عبر مراحل إلى سنة1918، وكانت لها نتائج هامة ومتعددة
كانـت أســباب الـحرب العـالـمـية الأولى متـعددة ومعــقدة.
نتج عن التحولات الاقتصادية التي عرفتها أوربا خلال القرن 19، تزايد الحاجة إلى الأسواق والمواد الأولية. ونهجت الدول الأوربية سياسة الحماية الجمركية، فامتدت المنافسة إلى البحث عن منافذ جديدة عن طريق التوسع الإمبريالي واكتساب المستعمرات، خاصة وأن أغلب المستعمرات كانت تقتسمها فرنسا وابريطانيا، ممادفع إلى السباق نحو التسلح والتحالفات العسكرية، رغم استعمال الطرق الدبلوماسية التي فشلت في حل النزاعات بين الدول الإمبريالية.
1): النزاعات الدبلوماسية والتحالفات العسكرية:
أ): النزاعات الدبلوماسية:
كانت ناتجة عن التنافس حول المستعمرات. وتمثلت في عدة قضايا منها: قضية الكنغو؛ حيث كان مجالا اقتصاديا تستغله فرنسا وإنجلترا والبرتغال. وأصرت ألمانيا على مزاحمتهم فيه، فاندلعت أزمة سياسية، انعقد إثرها مؤتمر برلين1884-1885 الذي أقر حرية التجارة في الكنغو. كما أن حصول ألمانيا على امتيازات داخل الإمبراطورية العثمانية شكل خطرا على المصالح الفرنسية و الإنجليزية والروسية. ونافست ألمانيا كل من فرنسا واسبانيا في المغرب. وتجلى ذلك في زيارة غليوم الثاني لطنجة وتدويل القضية المغربية وانعقاد مؤتمر الجزيرة الخضراء. لكنه لم يحقق أطماع ألمانيا فهددت باستعمال القوة(حادثة اكادير)، مما دفع فرنسا إلى التنازل لها عن جزء من الكنغو مقابل تخليها عن المغرب.
ب): التحالفات العسكرية:
بعد فشل الطرق الدبلوماسية في حل النزاعات بين الدول المتنافسة، أصبحت أغلب الدول تشجع الخيار العسكري وتتسابق نحو التسلح، مما دفع إلى التحالفات العسكرية التي مهدت إلى الحرب. وأهمها التحالف الثلاثي الذي عقد بين ألمانيا والنمساالمجر وإيطاليا في1882. ومعاهدة 1892 الثنائية بين روسيا وفرنسا، التي انضمت إليها ابريطانيا في1907 فتكون ما سمي بالوفاق الثلاثي(الذي انضمت إليه إيطاليا في1915).
2) تصاعد الحركات القومية:
عرفت أوربا موجة من النزاعات القومية قادتها إلى الحرب. وكانت منطقة البلقان مسرحا لهذه النزاعات بين صربيا التي تمثل الشعوب السلافية وتسعى إلى توحيدها، وتساندها في ذلك روسيا، وبين الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية المجرية اللتان تسعيا إلى إبقاء المنطقة خاضعة لنفوذهما. وللحد من طموحات صربيا والشعوب السلافية، قامت النمسا في1908 بضم إقليم البوسنة والهرسك، مما أدى إلى أزمة سياسية سميت بالأزمة البلقانية الأولى. وقامت أزمة ثانية في 1912 بسبب الحرب التي شنتها الدول البلقانية المدعمة من طرف روسيا على الإمبراطورية العثمانية.
3): شكلت حادثة سراييفو السبب المباشر للحرب:
قام ولي عهد النمسا(فرانسوا فردناند) بزيارة لمنطقة البوسنة لتأكيد النفوذ النمساوي عل المنطقة، لكنه اغتيل من طرف طالب صربي في 28 يونيو 1914. واستغلت النمسا هذا الحدث لتصفية حساباتها مع صربيا. واشترطت عليها القضاء على كل حركة معادية للنمسا، ومشاركة هذه الأخيرة في محاكمة المعتقلين الصرب. ورفضت صربيا تلك الشروط، فأعلنت النمسا الحرب على صربيا في 27 يوليوز 1914. وتدخلت روسيا حليفة صربيا وأعلنت الحرب ضد النمسا، ثم أعلنت ألمانيا الحرب ضد روسيا وفرنسا. وهكذا اندلعت الحرب العالمية الأولى واستمرت إلى1918.
مرت الـحرب العالـمية الأولـى بثـلاث مـراحل وانـتهت بانـتـصار دول الوفـاق.
انقسمت الدول المتحاربة إلى دول الوفاق وهي: ابريطانيا،فرنسا،روسيا ثم إيطاليا في1915 والولايات المتحدة في 1917. ودول الوسط وهي: ألمانيا والنمسا المجر وتركيا وبلغاريا التي انضمت إليهم في1915. ومرت الحرب بثلاث مراحل أساسية:
1): المرحلةالأولى:
تميزت بانتصارات سريعة للجيش الألماني الذي اكتسح بلجيكا وتوغل في شمال وشرق فرنسا. لكنه واجه مقاومة عنيفة منعته من الدخول إلى باريس، فاضطر إلى التوقف. ثم اتجه الجيش الألماني للواجهة الشرقية وألحق هزائم بروسيا. وبقيت ابريطانيا بعيدة عن هجمات الألمان نظرا لموقعها وأهمية قوتها البحرية.
2): المرحلة الثانية:
من نونبر1914 إلى1917: خلالها تمركزت الجيوش في مواقعها وبدأت حرب الخنادق. واتضح من خلالها أن الحرب ستطول مدتها، ولن يكسبها إلا القوي اقتصاديا والقادر على الحصول على الإمدادات، مما دفع الدول الاستعمارية إلى تكثيف استغلالها للمستعمرات.
3): المرحلة الثالثة:
تميزت بقيام الثورة الاشتراكية في روسيا 1917، وانسحابها من الحرب، ودخول الولايات المتحدة إلى جانب دول الوفاق التي بدأت تحقق انتصارات متتالية، في الوقت الذي بدأ فيه التراجع الألماني وباقي دول الوسط، مما دفع ألمانيا إلى التوقيع على معاهدة الهدنة في 11 نونبر1918. وبذلك انتهت الحرب لصالح دول الوفاق.
خـلــفـت الحرب الـعالــمـية الأولـى نـتــائـج مـخـتـلـفة
1): فقدت أوربا سيطرتها الاقتصادية على العالم:
بسبب خسائرها المادية والبشرية الهامة، حيث قدر عدد القتلى بحوالي8م.ن. وعدد الجرحى ب20م.ن. وأصابت الحرب الفئة الشابة مما أثر على النموالديمغرافي واليد العاملة، ودفع إلى تشغيل النساء. وأنفقت الدول المتحاربة أموالا باهضة على الحرب(ألمانيا40 مليار دولار+ فرنسا 25مليار دولار). وخربت الحرب عدة منشآت اقتصادية كالمعامل والمزارع والمناجم والطرق...، فتدهور الإنتاج الفلاحي والصناعي، مع صعوبة الانتقال من صناعة حرب إلى صناعة سلم. ودفع ذلك إلى الزيادة في استغلال المستعمرات ونهج سياسة القروض خاصة من الولايات المتحدة. وتدهور مستوى عيش السكان نتيجة التضخم المالي وارتفاع الأسعار، ما عدا فئة الوسطاء التي استفادت من الحرب.
وفقدت أوربا مكانتها الاقتصادية لصالح الدول التي استفادت من الحرب كاليابان التي طورت صناعاتها وعوضت أوربا في أسواق جنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة التي تطور إنتاجها الفلاحي ب30% والصناعي ب 40% مابين 1913-1917. وارتفعت قيمة الدولار حيث أصبحت الولايات المتحدة تملك نصف الرصيد العالمي من الذهب، وبذلك بدأت انطلاقة هيمنتها على العالم الرأسمالي
2): التحولات السياسية:
تمثلت في انهيار الإمبراطوريات الكبرى وظهور دول جديدة وتشكيل عصبة الأمم التي توجت معاهدات السلام.
أ): انهيار الإمبراطوريات الكبرى:
وهي الإمبراطورية الألمانية التي تخلى غليوم الثاني عن العرش في1918، فأصبحت جمهورية. والإمبراطورية العثمانية التي فقدت معظم أراضيها في أوربا والمشرق العربي. والإمبراطورية الروسية التي تغير فيها نظام الحكم بعد الثورة الاشتراكية 1917. والامبراطورية النمساوية المجرية، حيث تم فصل المجر عن النمسا. وتغيرت خريطة أوربا بظهور دول جديدة هي: بولونيا، يوغسلافيا و تشيكوسلوفاكيا. وفي المستعمرات ظهر الوعي بضرورة التحرر. وسبب التدهور الاقتصادي في انتشار الأفكار الاشتراكية، ولجوء اليائسين إلى المنظمات المتطرفة كالفاشية بإيطاليا والنازية بألمانيا.
ب): نتائج مؤتمر السلام:
عكست مصالح الدول المنتصرة؛ عقد المؤتمر بقصر فرساي بباريس1919، تضاربت فيه الآراء والمواقف خاصة بين فرنسا التي تريد إضعاف ألمانيا بفرض شروط قاسية عليها، وابريطانيا التي تعارض ذلك لأنه في صالح فرنسا، وحتى لا تهيمن على أوربا. ورفضت مطالب إيطاليا الترابية في تركيا. ورغم ذلك خرج المؤتمر بعدة معاهدات فرضت على الدول المنهزمة وأشهرها معاهدة فرساي التي كانت شروطها قاسية على ألمانيا، وسماها الألمان بالسلم المفروض.
ج): ظهور عصبة الأمم:
تقرر إنشاؤها بناء على بنود الرئيس الأمريكي ويلسون والتي عرضها في مؤتمر السلام. وأهم أهدافها حل النزاعات بالطرق السلمية ونزع السلاح ومنع المعاهدات السرية وحق الشعوب في تقرير مصيرها. لكن العصبة لم تحظ بمشاركة جميع الدول حيث رفضت الدول المنتصرة مشاركة الدول المنهزمة والاتحاد السوفياتي. كما صوت الكونغرس الأمريكي ضد انضمام الولايات المتحدة. وهيمنت فرنسا وابريطانيا على عصبة الأمم لتحقيق مصالحهما الاستعمارية. واتخذت العصبة مقرها في جونيف، وتشكلت من هيئات مختلفة منها الجمعية العامة والمجلس الأعلى والأمانة العامة ومحكمة العدل الدولية (لاهاي) والمكتب الدولي للشغل
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire